تمكين المواهب غير المُهمَّشة في MENA
كفاح المؤسسين

تمكين المواهب غير المُهمَّشة في MENA

[قراءة 8 دقائق]

بواسطة Bayanat

في هذه النسخة من سلسلة كفاح المؤسسين، نسلّط الضوء على كريستيان فيزياك، رائد أعمال من أصول بوليفية ووالدين من أصول فلسطينية وسلوفينية. مدفوعًا برغبته في إعادة التواصل مع هويته وردّ الجميل للمجتمعات المرتبطة بإرثه العائلي، قادت رحلته في نهاية المطاف إلى إطلاق TAP، وهي منصة تتيح الوصول إلى فرص العمل للشباب في المناطق الهشّة مثل فلسطين والأردن و لبنان.


من بوليفيا إلى فلسطين


نشأ كريستيان فيزياك في بوليفيا، إحدى أفقر دول أمريكا اللاتينية، لأب سلوفيني وأم فلسطينية. تعلّم من والده، الذي شق طريقه من الفقر إلى النجاح في عالم الأعمال، الصلابة والإصرار، ومن والدته تعلّم اللطف والكرم والكرامة الصامتة المرتبطة بجذورها الفلسطينية المُهجّرة.

بعد إنهائه درجة الماجستير في إدارة الأعمال في فرنسا، التقى كريستيان بـجعفر شنار، زميل فلسطيني في الدراسة. نشأت بينهما صداقة فورية. وبعد أشهر، دعاه جعفر لزيارة مدينة نابلس. كانت تلك الرحلة نقطة تحول. الصدمة التي شعر بها من الاحتلال، والتوترات الملموسة، والمستوطنات، كلّها اصطدمت بإرث والدته الصامت. قال: "شعرت أن هناك شيئًا تغير. أدركت أنني لا أستطيع أن أغضّ النظر. كان عليّ أن أفعل شيئًا".

خلال تلك الزيارة، اكتشف أن جعفر قد أطلق شركة تكنولوجيا معلومات في فلسطين، وكان يتلقى مئات الطلبات لكل وظيفة شاغرة. المشكلة لم تكن في نقص المواهب، بل في غياب الوصول إلى الفرص. كان من الواضح أن شيئًا ما يجب أن يتغير.

عاد كريستيان إلى أمستردام، حيث تواصل مع وزارة الخارجية الهولندية، التي كان لديها بالمصادفة، تفويض قوي بدعم فلسطين ومناطق أخرى محرومة. عرض عليهم برنامجًا تجريبيًا – والذي تطوّر لاحقًا إلى TAP – يهدف إلى ربط المواهب الشابة بالشركات وتسهيل طريقهم إلى الوظائف.

من خلال الوزارة، حصل TAP على تمويل مبدئي قدره 130,000 دولار. أقدم كريستيان وجعفر على خطوة أولى جريئة من خلال الشراكة مع Gaza Sky Geeks، ونجحوا في توظيف 20 مبرمجًا في شركة جعفر لتقنية المعلومات. قال كريستيان: "لم تكن لدينا أي فكرة عن كيفية تنفيذ ذلك. لكننا التزمنا. وعندما تلتزم قبل أن تعرف كيف، حينها تبدأ فعلًا في البناء."

هكذا وُلدت TAP، ليس كشركة ناشئة، بل كمهمة لفتح آفاق مهنية في أماكن لم تكن ممكنة من قبل.


البدايات الأولى لـ TAP


في البداية، كان كريستيان وجعفر يديران أيضًا شركة Kiitos، وهي شركة خدمات تكنولوجيا معلومات أسسها جعفر. كانت Kiitos وسيلة لبناء البرمجيات للشركات الناشئة، وتجربة التوسّع، وتعلّم الدروس من خلال العمل مع حوالي 20 شركة ناشئة. لم تكن Kiitos هي الهدف النهائي، بل وسيلة لتوفير التمويل الأولي لـ TAP.

أعاد المؤسسون استثمار كل أرباح Kiitos في بناء TAP، والتي بدأت كبرنامج تدريب يشبه المعسكر التدريبي (bootcamp) لتطوير مهارات المهندسين الفلسطينيين.

لكن بدلاً من التركيز فقط على المهارات التقنية، كان 80٪ من البرنامج يركّز على ما أطلقوا عليه "مهارات القوة" مثل كيفية تقديم النفس والتعامل مع مقابلات العمل، بينما خُصص 20٪ فقط للجانب التقني.

مع مرور الوقت، توسعت TAP لتشمل مجالات أخرى مثل التسويق الرقمي، المبيعات، والعمليات، بما يتماشى مع التحديات الاقتصادية العميقة في فلسطين ونمو الاقتصاد العالمي للعمل عن بُعد. هدف المؤسسين كان بناء شركة تعتمد على العمل عن بُعد وتُدرّب وتربط المواهب بوظائف حول العالم.

عملوا مع مدربين عالميين وخبراء من كبرى شركات الاستشارات الأوروبية لتقديم تدريب رفيع المستوى للمواهب الشابة. وكان الأمل أن تفتح هذه الشراكات الأبواب أمام الخريجين الفلسطينيين عبر شبكات هذه الشركات. لكن الاعتماد على شبكات الشركاء وحدها لم يكن كافيًا لتحقيق التوسع، ما قاد إلى تحوّل في نموذج TAP نحو ما هو عليه اليوم.


TAP اليوم


منذ البداية، تميزت TAP بقدرتها على خلق فرص عمل من خلال شراكات مبتكرة وجهود متواصلة لدعم الباحثين عن عمل. وكما يوضح كريستيان، فإن كل وظيفة جديدة تعود في النهاية إلى "شخص في الجهة المقابلة آمن بمرشح معين"، وغالبًا ما يكون هذا الشخص مرتبطًا بالمنطقة أو القضية.

بمرور الوقت، بنت TAP شبكة ضخمة من المهنيين الداعمين للمواهب المهمّشة، خصوصًا في فلسطين. أدرك الفريق أنه بدلاً من التوسّط نيابة عن الباحثين عن العمل، يمكنهم تمكين هؤلاء الشباب من الدفاع عن أنفسهم.

لذلك، طوّرت TAP نظامًا آليًا بالكامل للتوفيق بين الباحثين عن العمل والشركات. المستخدمون يدخلون بياناتهم الأساسية، السير الذاتية، حساب LinkedIn واهتماماتهم، وTAP تقترح لهم جهات اتصال وفرص عمل.

كما يوضح كريستيان: "إذا كنت تتقدم لوظيفة من سوريا أو لبنان عبر LinkedIn، قد يتم رفضك من قبل الذكاء الاصطناعي قبل أن يرى اسمك أي إنسان. لكن إذا كان هناك شخص داخل الشركة يعرفك ويؤمن بك، تتغير فرصك بالكامل".

النتيجة؟ المستخدمون في TAP يحصلون على وظائف خلال شهرين أو ثلاثة من التسجيل. ومع اعتماد التكنولوجيا، أصبحت العمليات أقل تكلفة وأكثر قابلية للتوسع.


نحو نموذج ربحي مستدام


حتى الآن، كانت TAP تعتمد على شراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتمويل البرامج. هذا النموذج حقق أثرًا ملموسًا لكنه غير مستدام. الاعتماد على المنح يضع TAP ضمن "اقتصاد المساعدات"، ويحدّ من قدرتها على التوسع كسوق حقيقي.

لهذا، تتجه TAP نحو نموذج أكثر استدامة. من خلال خفض التكاليف إلى الحد الأدنى وأتمتة كل شيء، تعمل TAP على تطوير خيار مدفوع ميسور التكلفة يمكن للمستخدمين الوصول إليه مباشرة.

في المقابل، ومع تزايد عدد المستخدمين، تزداد قيمة TAP بالنسبة للشركات. بالفعل، في عام 2025 وحده، نجحت TAP في توظيف مواهب في أكثر من 60 شركة بـ40 دولة، وكلها وظائف عن بُعد. هذا الزخم يفتح الباب أمام نماذج ربحية مثل فرض رسوم على التوظيف، رعاية الدُفعات، أو الاشتراك في المنصة.

يشبّه كريستيان هذه اللحظة ببدايات حركة الابتكار المناخي، حين لم يكن هناك سوق حقيقي، لكن الآن أصبحت أرصدة الكربون تُغذي قطاعًا كاملاً. يرى أن شباب المناطق المهمّشة يمثلون "أصلًا عالميًا" لا يقل قيمة، والعالم بدأ يدرك ذلك، وTAP تستعد لهذه اللحظة من خلال بناء نموذج يجمع بين الأثر والربح.


منظمة غير ربحية أم شركة قابلة للنمو الاستثماري؟


يقول كريستيان بوضوح إنه يبني نموذجًا ربحيًا لحل مشكلة البطالة الشبابية بشكل مستدام. وقد سمع كثيرًا من المستثمرين يطالبونه بتحويل TAP إلى منظمة غير ربحية.

لكنه وفريقه قرروا عكس ذلك، لأن بناء هذا النوع من المؤسسات يتطلب مهارة كبيرة وصبر طويل، ويعتمد على بناء بنية تحتية غير موجودة، وهو طريق صعب يتطلب المرور بمراحل غير مربحة قبل الوصول إلى التوسع الحقيقي. بالنسبة لـكريستيان، فإن الأثر الحقيقي والاستدامة وجهان لعملة واحدة.

بينما كان بعض المستثمرين مترددين في البداية لأن النموذج بدا "قريبًا من المنظمات غير الربحية"، رأى آخرون الإمكانيات الأعمق ودعموا الرؤية. في أواخر عام 2023، أغلقت TAP جولة تمويل Seed بقيمة مليون دولار بقيادة Wamda Capital. في الوقت نفسه، حصل الفريق على أكثر من 3 ملايين دولار من المنح الحكومية لدعم البحث، وتطوير المنتج، والتدريب في المراحل المبكرة.


ما هو النجاح؟


تُعيد TAP تعريف النجاح في مجال التوظيف. بدلًا من أن يكون النجاح هو العثور على وظيفة نيابة عن المستخدم، تُمكّن TAP الأفراد من امتلاك أدوات وتقنيات وإرادة البحث عن وظيفة بأنفسهم. ومع مرور الوقت، يقل دور TAP كوسيط، وتزيد قدرة المستخدم على الاعتماد على ذاته.

في عام 2024، من أصل 116 وظيفة، تم الحصول على 56 وظيفة عبر ما تسميه TAP "التوظيف الذاتي"، أي أن المستخدمين حصلوا على الوظائف بأنفسهم من خلال الأدوات والتدريب الذي وفّرته TAP دون أي تدخل مباشر.


الكلمة الأخيرة


لا تزال رحلة TAP في بدايتها. خلال السنوات الأخيرة، أعادت الشركة تصميم نهجها بالكامل للتركيز على ما هو فعّال فعليًا: مساعدة الأفراد على إيجاد وظائف. ومع تطور التكنولوجيا ونموذج تشغيلي أكثر خفة، أصبحت النتائج أسرع، وأكثر كفاءة، وبتكلفة أقل.

كما يقول كريستيان: "ما زلنا في طور التحوّل لما يُفترض أن نكون عليه". لكن الإشارات المبكرة تدل على أن TAP تبني شيئًا قويًا، ونحن متحمسون لمواصلة متابعة هذه الرحلة ذات الأثر العميق.


اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!

كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.