
أول برنامج "جرّب قبل أن تشتري" في MENA
[قراءة 8 دقائق]
في هذه النسخة من سلسلة كفاح المؤسسين، تحدّثنا مع حنان شاهين، الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة Bloomcart، أول برمجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتيح لعلامات التجارة الإلكترونية تطبيق نموذج "جرّب قبل أن تشتري". ما بدأ كمشروع لإعادة بيع الأزياء خلال فترة الإغلاق، تحوّل إلى مشروع تقني متكامل يعالج أحد أبرز التحديات في التسوق الإلكتروني: تجربة المنتج وسياسات الإرجاع.
من تنظيم الفعاليات إلى إطلاق منتج رقمي، روت لنا حنان رحلتها الريادية والدروس التي تعلّمتها في كل مرحلة.
من الرسم إلى ريادة الأعمال: المسار الإبداعي لحنان
قبل إطلاق Bloomcart، لم تكن حنان تبحث عن مسار مهني تقليدي، بل كانت تسعى لتحقيق رغبة داخلية: "منذ صغري، أردت أن أبتكر شيئاً ما، شيئاً يمكن أن يدرّ المال"، كما تقول. هذا المزيج من الإبداع والسعي نحو خلق قيمة شكّل الرابط الأساسي بين محطات حياتها المتعددة.
بدأت مسيرتها في مجال الهندسة المعمارية، مدفوعة بشغف تحويل الخيال إلى واقع. إلا أن الواقع العملي لم يشبع طموحها الإبداعي. جرّبت العمل في مجال السينما ثم عادت إلى الهندسة، لكنها أدركت أنّ ما تبحث عنه مختلف تمامًا.
تقول: "خضت تجارب متعددة، وما زلت في رحلة. لأنّ الريادة ليست شركة ناشئة فحسب، بل مسار متواصل لاكتشاف الذات".
عندما لا تكون الأنا كافية
ولدت أولى تجاربها الريادية من حاجة شخصية: لم تجد منظم حفلات لخطوبتها، فقررت تنظيمها بنفسها. أثار ذلك إعجاب أحد أقاربها، فاقترح تحويل التجربة إلى مشروع. ورغم غياب الخبرة في مجال الفعاليات، خاضت غمار العمل وتعلّمت كل شيء على الأرض. سرعان ما تحوّل المشروع إلى علامة إقليمية بارزة، جذبت عملاء من شركات كـFacebook ومصارف وسفارات في الأردن وأبوظبي ودبي.
لكن النجاح كشف دروسًا لم تكن تتوقّعها. تقول: "تعلّمت الفرق بين امتلاك مهارة معينة وبين إدارة عمل تجاري". حاولت في البداية السيطرة على كل شيء بنفسها، معتبرة أن ذلك يُرضي غرورها. "في العشرينات، يغذّي الأنا قراراتك، لكن ذلك يؤدي إلى الإرهاق. وكنت أظنّ أنّ النمو يعني القابلية للتوسّع، وهذا خطأ".
في النهاية، أدركت أنّ ما بنته يُرضي ذاتها، لكنه لا يخدم رسالتها. فقبل جائحة كوفيد، اتخذت قرارًا صعبًا بإنهاء مشروع تنظيم الفعاليات.
اكتشاف بصيرة ذهبيّة
وضعت حنان أربعة معايير لأي مشروع مقبل: أن تحبّه، أن تتقنه، أن تؤمن به، وأن تملك شغفًا تجاهه. لأنّها تعلم كم من الوقت والطاقة سيتطلبه.
خلال جائجة كوفيد وفترة الإغلاق في الأردن، وبينما لم يكن التسوّق ممكنًا إلا عبر الإنترنت دون القدرة على تجربة الملابس، بدأت بإعادة بيع قطع من منافذ بيع بأسعار منافسة. رغم جودة المنتجات والصور الاحترافية والإعلانات المستهدفة، لم تستطع منافسة العلامات المعروفة. تقول: "لم يكن لدي ميزة تنافسية. كنا، أنا وShein، ننشر نفس الصور تقريبًا، لكن لديهم ثقة العملاء".
جاءت نقطة التحوّل من حملة جريئة أطلقتها: "جرّب قبل أن تشتري". يمكن للعميل أن يطلب القطع، يجرّبها في المنزل، ثم يدفع فقط لما يحتفظ به. وكانت النتيجة فورية: قفز معدّل الطلب من قطعتين إلى سبع قطع.
تقول: "شعرت أنّني اكتشفت كنزًا".
لكن البنية التحتية في الأردن لم تتحمّل هذا النموذج. إذ يعمل النظام على الدفع النقدي عند التسليم، ويضطر المندوبون للانتظار حتى يجرّب العميل القطع، يحسب السعر، ويعيد الباقي. لم يكن هناك نظام لإدارة المخزون أو تتبّع سلوك العملاء، ما جعل التجربة غير قابلة للتوسّع.
ومع ذلك، كانت الفكرة قوية: العملاء يريدون هذه التجربة، وهي تزيد من معدّلات التحويل والرضا.
التحوّل
بعد أشهر من الفوضى اللوجستية، أدركت حنان أنّ ميزتها التنافسية لا تكمن في المنتجات، بل في التجربة نفسها. تقول: "تحوّلنا من متجر إلى منصّة برمجية تقدّم ميزة 'جرّب قبل أن تشتري"للعلامات الإلكترونية".
استوحت النموذج من منصّات مثل BlackCart الكندية و TryNow الأميركية، لكنها لاحظت عدم قدرتهم على التوسّع في منطقة الشرق الأوسط. تقول: "كل دولة في منطقتنا لها قوانينها، وسائل الدفع، والبنية اللوجستية المختلفة، لذلك فُتحت لنا نافذة فريدة".
وهكذا وُلدت Bloomcart، كأداة برمجية يمكن لأي موقع تجارة إلكترونية في المنطقة دمجها لتقديم تجربة "جرّب قبل أن تشتري".
بناء التكنولوجيا
لم يكن تطوير المنتج سهلاً، فقد دخلت حنان عالماً جديدًا تمامًا. لم تكن لديها خلفية تقنية، لكنها سرعان ما أدركت أنّ دورها ليس كتابة الأكواد، بل نقل رؤيتها بشكل دقيق للفريق التقني.
تقول: "تعلّمت لغتهم، وبدأت أدرس منتجات مشابهة، وأقدّمها كمرجع للفريق". ولكن الأهم كان تعلم كيفية كتابة "قصص المستخدم" (User Stories). "بدونها، ستخسر الكثير من الوقت والمال".
اعتمد التطوير على نموذج تجريبي وتكراري، يستند إلى ملاحظات السوق لا إلى الافتراضات. فبعد محادثات مع أكثر من 400 علامة، تركّز الفريق على علامات الأزياء تحديدًا، لأنها الأكثر احتياجًا لهذا الحل.
تقول: "كلما تحدّثت مع العملاء، كلما عرفت جمهورك الحقيقي".
كيف تعمل Bloomcart؟
تقوم Bloomcart بأتمتة تجربة كانت في السابق معقّدة ويدوية بالكامل. عندما يقدّم العميل طلبًا، يتم تفويض المبلغ الكامل دون خصمه فعليًا. بعد التسليم، يتلقى العميل رابطًا إلى بوابة إلكترونية يمكنه من خلالها اختيار القطع التي يرغب بالاحتفاظ بها أو إرجاعها.
بعد تحديد القطع المُراد إرجاعها، تتولى Bloomcart تنسيق العملية لوجستيًا عبر رسائل WhatsApp. يأتي السائق إلى باب المنزل لاستلام القطع المُعادة ويقوم بتسليمها إلى العلامة التجارية.
بعد استلام العلامة للمنتجات، تقوم بفحصها للتحقق من حالتها وأصالتها. عند الموافقة على الإرجاع، يتم استرداد المبلغ الخاص بتلك القطع للعميل، وتحويل المبلغ المتبقي إلى العلامة التجارية.
إعادة تعريف تجربة الإرجاع
في البداية، قد يبدو مفهوم "جرّب قبل أن تشتري" وكأنه مجرد امتداد لسياسة الإرجاع المجاني، لكن حنان تؤكّد أنّه مختلف تمامًا. تقول: "اليوم، قلّة من الناس يشترون عبر الإنترنت دون سياسة إرجاع. وإن لم تكن مجانية، تصبح عائقًا نفسيًا أمام الشراء".
المشكلة الحقيقية هي أنّ الناس يُرجعون المنتجات لأنهم لم يتمكنوا من تجربتها مسبقًا. "إذا منحتهم فرصة التجربة، تقل معدّلات الإرجاع، وتزيد فرص الشراء الفعلي"، تضيف.
حنان تشير أيضًا إلى أن قوانين الإرجاع تختلف من بلد إلى آخر—بعضها يفرض 12 يومًا، وآخر 24 يومًا—لكن النتيجة واحدة: عبء ثقيل على العلامات الصغيرة والمتوسطة. "سياسات الإرجاع تشوّش دورة النقد، وتربك المخزون، بل وتؤثّر على المحاسبة والضرائب".
Bloomcart تعيد تعريف هذه التجربة بالكامل، وتقصّر دورة النقد من أسابيع إلى ثلاثة أيام فقط—وهو تحوّل جوهري للعلامات التي تعتمد على السيولة السريعة.
التوسّع إلى السعودية
بعد إثبات النموذج في الأردن، تتجه Bloomcart إلى السعودية، أكبر سوق في المنطقة. لكن حنان تخطو بثبات: "هو سوق ضخم، لكنه معقّد. كل شيء من سلوك المستهلك إلى التسعير مختلف، ويجب أن ندرس هذه التفاصيل قبل دخول السوق وفهم التفاصيل لننفّذ بالشكل الصحيح".
نموذج العمل
تعتمد Bloomcart على نموذج اشتراك وعمولة: تدفع العلامات التجارية رسوم اشتراك للوصول إلى أدوات المنصّة والبرمجية، وتقتطع Bloomcart عمولة على القطع التي يختار العملاء الاحتفاظ بها.
في بداياتها في الأردن، اضطرت الشركة لبناء التجربة بأكملها من الصفر. توضح حنان: "لأنه ما كان في بنية تحتية مناسبة في الأردن، قمنا نحن بإدارة كل الجوانب اللوجستية بأنفسنا — من توظيف السائقين إلى اختبار الطلب، وإثبات وجود حاجة، وفهم كيفية عمل النموذج الكامل."
هذا النهج العملي ساعد Bloomcart على فهم سلوك العملاء بشكل أعمق وتحسين المنتج بناءً على ذلك. فمثلًا، رسوم التوصيل والإرجاع لا تفرضها Bloomcart، بل تتركها لتقدير كل علامة تجارية. "بعض العلامات تقدم التوصيل مجانًا إذا تجاوزت قيمة الطلب حدًا معينًا. ما لاحظناه في الأردن، مثلاً، هو أن الناس كانوا مستعدين لدفع رسوم إضافية — حتى لو كانت 3 دنانير للتوصيل و1 دينار إضافي لتجربة قبل الشراء — مقابل الحصول على هذه الميزة."
بالنسبة لحنان، هذا يعني شيئًا أعمق: النموذج مرن. بالنسبة لبعض العلامات هو وسيلة لتحفيز المبيعات، ولغيرها هو أداة تسويق قوية. Bloomcart تتيح لكل علامة تخصيص التجربة بحسب احتياجاتها، بينما تتولى إدارة التعقيد التقني والتشغيلي في الخلفية.
في السعودية، تنوي Bloomcart التعاون مع شركاء لوجستيين بدلاً من إدارة التوصيل داخليًا، للحفاظ على خفة النموذج التشغيلي مع ضمان جودة الخدمة. كما ستتغير بنية التسعير لتناسب السوق المحلي. تقول حنان: "سننتقل إلى اشتراكات سنوية بدلاً من شهرية، وحتى العمولة التي سنأخذها في السعودية تختلف عن الأردن." هذه ليست مجرد تعديلات بسيطة — بل تحولات استراتيجية مصممة لتناسب سلوك وتوقعات السوق الجديد.
التمويل والخطوة التالية
جمعت Bloomcart تمويلاً تمهيديًا سابقًا لبناء المنصة، وهي الآن تستعد لجولة جديدة لدخول السوق السعودي. تقول حنان: "الأردن كان مكانًا للتجربة. الآن نبني من أجل التوسّع الحقيقي".
من الأزياء إلى الأثاث، العطور، والإكسسوارات، تسعى Bloomcart لأن تكون البنية التحتية للثقة في التجارة الإلكترونية في منطقتنا.
جمعت Bloomcart في السابق جولة تمويل تمهيدية عندما كانت تعمل كمتجر إلكتروني، واستُخدم هذا التمويل للقيام بالتحوّل نحو منصة برمجية. الآن، تستعد لجمع جولة جديدة للتمدد في السوق. تقول حنان: "الجولة القادمة مخصصة للدخول إلى السوق السعودي. نحن نجهّز أنفسنا لهذا التوسّع، لكن لا يمكننا اتخاذ هذه الخطوة من دون التمويل المناسب لتنفيذها بشكل سليم."
والتوسع إلى السعودية لا يعني مجرد نمو، بل هو التوجّه نحو قابلية التوسع الحقيقي. صحيح أن الأردن كانت مكانًا ممتازًا لاختبار النموذج، لكن حدود السوق أصبحت واضحة. تشرح حنان: "وصلنا للحد الأقصى لما يمكن فعله في الأردن. كل شيء يُدار يدويًا، وهذا غير قابل للتوسيع. لكن لم يكن هذا الهدف. الأردن كانت مختبرًا للتعلّم. الآن، نبني للتوسّع."
مع الأزياء كنقطة انطلاق، تمتد قابلية تطبيق Bloomcart إلى مجالات أخرى مثل الأثاث، العطور، الإكسسوارات، والنظارات — أي منتج يرغب المستهلك بتجربته قبل اتخاذ قرار الشراء. ما بدأ كإحباط شخصي من تجربة التسوق الإلكتروني، تحوّل إلى بنية تحتية جديدة لبناء الثقة في التجارة الإلكترونية في منطقتنا.
اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!