القصة وراء صعود Tick’it
كفاح المؤسسين

القصة وراء صعود Tick’it

[قراءة 8 دقائق]

بواسطة Bayanat

في هذه النسخة من سلسلة "كفاح المؤسسين"، نغوص في رحلة سيدريك زوفيغيان، الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة Tick'it. فبناء شركة ناشئة ناجحة لا يتطلّب أن تكون البداية مثالية، بل يكمن السرّ في التعلّم من الفشل والقدرة على التكيّف بسرعة. وهذا ما فعله سيدريك وفريقه. فمن فكرة أوليّة لإنشاء منصّة لحجوزات النوادي الليلية، إلى حلّ شامل لإدارة الفعاليات وبيع التذاكر، تطوّرت Tick'it عبر التجربة والخطأ، وبفضل إصرار مؤسّسيها، أصبحت اليوم شركة ناشئة تشهد نمواً سريعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


من الحياة الليلية إلى ريادة الأعمال


وُلد سيدريك ونشأ في لبنان، ودرس الهندسة الميكانيكية في جامعة UCL في لندن. ورغم تفوّقه الأكاديمي واحتلاله مركزاً ضمن أفضل 10٪ من طلاب دفعته، إلا أن شغفه الحقيقي كان في مكان آخر.

يقول سيدريك: "لم أكن من النوع الذي يدرس كثيراً، كنت أقضي معظم وقتي في السهر والحفلات". وقد ناسبته الحياة الجامعية في بريطانيا، حيث تتركّز الامتحانات في نهاية العام، فكان يبذل جهداً محدوداً للنجاح، فيما يكرّس باقي وقته للموسيقى والحفلات واستكشاف عالم الفعاليات.

ولكن مع تفشّي جائحة "كوفيد-19"، تغيّر كل شيء. إذ اضطر للعودة إلى لبنان، وهناك بدأ يُعيد النظر في خياراته. يقول: "تبدأ في تلك اللحظات بطرح الأسئلة على نفسك، مثل: ماذا أفعل بحياتي؟". في تلك الفترة، كان سيدريك قد حصل على فرصة تدريبية وكان يفكّر في متابعة الدراسات العليا في MIT أو Imperial College، غير أن شيئاً من ذلك لم يكن يشعره بالرضا.

لطالما كان شغوفاً بالموسيقى، وكان يُنتج موسيقى الراب والإلكترونية في شقّته بلندن، وفكّر جدياً بتحويل هذا الشغف إلى مهنة، لكنّه أدرك الواقع الصعب لصناعة الموسيقى من الناحية المالية.

ثم، وأثناء عمله على مشروع جامعي ضمن مادة ريادة الأعمال، عادت إلى ذهنه فكرة قديمة. فعندما بلغ الثامنة عشرة، كان قد حجز طاولة في نادٍ ليلي بلندن، ولكن في اللحظة الأخيرة، تم إلغاء حجزه ومنح الطاولة لشخص آخر. حينها تساءل: "لماذا لا توجد منصّة تتيح الحجز بشكل منظم؟"، وبدأ بتطوير هذه الفكرة. استُخدمت الفكرة في البداية كمشروع جامعي، لكن مع مرور الوقت، بدأ يرى فيها فرصة حقيقية لتأسيس مشروع تجاري. وهكذا، وُلدت Tick'it.


الثالثة ثابتة


انطلقت رحلة Tick'it الجدية عندما انضم إلى سيدريك كلٌّ من مارك غريوس ورالف غريوس كشريكين مؤسّسين. كانت الرؤية واضحة: "أردنا بناء منصّة لإدارة الحجوزات في نادٍ ليلي شهير في لبنان، تتيح إدارة قوائم الضيوف، حجز الطاولات عبر الهاتف، دعوة الأصدقاء، تقسيم الفاتورة، وشراء التذاكر".

بدأ الفريق العمل على المشروع عام 2021، لكن قلّة الخبرة التقنية أدّت إلى خطأ مكلف. إذ لم يكن أيّ من المؤسّسين يمتلك خلفية تقنية، واعتمدوا على مطوّر بدا مؤهلاً لبناء المنتج الأولي (MVP). سلّموه صوراً لتطبيقات أعجبتهم، معتقدين أنّ ذلك كافٍ. وبعد عام كامل، وقبيل أول فعالية، اكتشفوا أنّ ما بُني لم يتعدَّ كونه واجهةً دون نظام خلفي. ضاع عامٌ كامل وجهود مالية دون نتيجة. حينها، أنهوا التعاون مع المطوّر وقرّروا البدء من الصفر.

رغم الإحباط، اعتبر الفريق هذه التجربة درساً، ومضوا في طريقهم. وبتمويل ذاتي، نشر سيدريك أول إعلان توظيف على "لينكدإن"، وتلقّى قرابة مئة طلب. استعان بخريجين جدد في مجال البرمجة، وعملوا على بناء منتج بدا مثالياً، لكن عند عرضه على منظّمي الفعاليات، قوبل بالرفض.

لم يكن الخطأ في البرمجة، بل في المنهج. فقد بُني المنتج في عزلة، دون استشارة السوق أو فهم حاجاته. عندها فقط، بدأ الفريق بطرح الأسئلة الصحيحة: "لماذا لا تستخدمون المنصّة؟ ما الحلول الحالية؟ ما الذي تحتاجونه؟" ليتبيّن لهم أنّ المشكلة الحقيقية لم تكن في بيع التذاكر، بل في غياب البيانات التحليلية.

غيّر هذا الاكتشاف مسار الشركة. فبعد محاولتين فاشلتين، جرى بناء Tick'it من جديد، وفي غضون ستة أشهر، كان التطبيق جاهزاً للإطلاق. تطوّر من منصّة لبيع التذاكر، إلى أداة تسويقية وتحليلية لمنظّمي الفعاليات، مدعومة بلوحة تحكم ونظام إدارة علاقات العملاء (CRM) يقدّم بيانات فورية حول الحضور، الديموغرافيا، وتفاعل الجمهور.

ولمساعدة المنظّمين على توسيع نطاق انتشارهم، وفّرت Tick'it أدوات تسويقية مدمجة، مثل الرسائل الجماعية عبر WhatsApp، البريد الإلكتروني، وإطلاق حملات إعلانية تستهدف الجمهور، تُدار من قِبل فريق التسويق الخاص بها. بل أضافت الشركة تحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي للتنبّؤ بأداء الفعاليات، ومساعدة المنظّمين في تعديل استراتيجياتهم لتحقيق النجاح.


النموذج الذي نجح


بعد تطوير المنتج، واجه الفريق التحدّي الكلاسيكي في نموذج B2B2C: كيف يُقنعون منظّمي الفعاليات باستخدام المنصّة قبل أن تتكوّن قاعدة مستخدمين؟ وكيف يجذبون المستخدمين قبل وجود فعاليات حقيقية؟

قرّر الفريق التوجّه نحو النوادي الصغيرة والمُنظّمين المستقلّين في لبنان، الذين لم يسبق لهم استخدام أدوات التذاكر الرقمية. كانت مشاكلهم تتمثّل في التزوير، السرقة، وعدم وجود بيانات لتطوير أعمالهم. قدّمت Tick'it نفسها كحل شامل، يوفّر الأمان، تتبّع الإيرادات، وبيانات تساعدهم على النمو.

في الوقت ذاته، حرصت Tick'it على تقديم تجربة سهلة للمستخدمين. فمع كون 80٪ من العمليات في السوق اللبناني تعتمد على الدفع النقدي، عقدت الشركة شراكات مع وكالات تحويل الأموال مثل OMT، وBob Finance، وWish Money. كانت العملية بسيطة: يحجز المستخدم تذكرته عبر الإنترنت، يحصل على رمز، ويُتمّ الدفع نقداً خلال 24 ساعة في أيّ من فروع الوكالات البالغ عددها 4,500 نقطة.

ما ميّز Tick'it حقاً هو الجمع بين خدمة بيع التذاكر، ونظام CRM مُصمَّم خصيصاً لمساعدة المنظّمين على التوسّع وتحسين استراتيجياتهم. يقول سيدريك: "نحن المنصّة الوحيدة لإدارة الفعاليات التي تُمكِّن الجميع من الوصول إلى البيانات". منظّمون لم يسبق لهم بيع تذكرة واحدة عبر الإنترنت، بدأوا باستخدام Tick'it. وبما أنّ كل فعالية كانت تُروَّج على وسائل التواصل من قِبل المنظّمين أنفسهم، فقد قادتهم هذه الجهود إلى المنصّة تلقائياً.

والنتيجة؟ أكثر من 150 ألف مستخدم نشط شهرياً، بميزانية تسويقية لا تتجاوز 10,000 دولار خلال ثلاث سنوات. كان النمو بالكامل عضوياً: استخدمت Tick'it المنظّمين لجذب المستخدمين، ثم استخدمت قاعدة المستخدمين لجذب منظّمين جدد، ما خلق دورة نموّ ذاتية الاستدامة.


الخطوة الاستراتيجية نحو دبي


مع ازدياد الزخم، قرّر الفريق نقل عملياته إلى دبي. فرغم تطلّعهم للتوسّع نحو مدن كبرى مثل لندن ونيويورك، إلا أنّ المنافسة المحتدمة هناك دفعتهم لإعادة تقييم استراتيجيتهم. يوضح سيدريك: "كان هدفنا دائماً النمو في سوق نامٍ. منطقة MENA تنمو بمعدل 15٪ سنوياً".

قدّمت دبي فرصة استراتيجية فريدة، بفضل المبادرات الحكومية الهادفة لتنويع الاقتصاد، وبنية تحتية متطوّرة تدعم الشركات الناشئة. ورغم التحدّيات التنظيمية، مثل الحصول على التراخيص والشراكات المحلية، رآها سيدريك كفرص لا عوائق. فكلّما أسرع في دخول السوق، ضمن لنفسه ميزة تنافسية.

أضف إلى ذلك طلاقته في اللغة العربية وصلاته المتينة بالجالية اللبنانية في دبي، ما ساعده في تسريع وتيرة التوسّع. كما لعبت التركيبة السكانية الشابّة لدبي دوراً حاسماً في القرار، إذ تمثّل المدينة سوقاً مثالياً لتطبيق Tick'it.


نموذج العمل


تولّد Tick'it إيراداتها من ثلاثة مصادر رئيسية:

العمولات على التذاكر: تجني Tick'it عمولة على كل تذكرة تُباع عبر المنصّة، وهي مصدر الدخل الأساسي.

برمجية إدارة الفعاليات (SaaS): يتيح هذا النظام للمُنظّمين أدوات تحليل وإدارة، ويُقدَّم باشتراك شهري، مع إمكانية إعفاء من الرسوم في حال استخدام Tick'it حصرياً في بيع التذاكر.

خدمات التسويق وتنظيم الفعاليات: تشمل حملات إعلانية واستهداف الجمهور مقابل رسوم، كما تستكشف الشركة فرصاً جديدة مثل القوائم المموّلة.


الوقت المناسب للتمويل


حتى اليوم، بقيت Tick'it شركة ممولة ذاتياً بالكامل. اتّبع الفريق نهجاً حذراً في جمع التمويل، إذ سعى لتحديد المؤشّرات الرئيسية قبل جذب المستثمرين. شبّه سيدريك استراتيجيتهم بأولى مراحل نمو شركة Uber، قائلاً: "اكتشفت Uber أن المستخدم الذي يطلب سيارة مرتين، تزداد احتمالية طلبه لمرّة ثالثة بنسبة 90٪".

أرادت Tick'it التوصّل إلى "مؤشّر Uber الخاص بها" قبل فتح باب الاستثمار. اليوم، ومع نمو شهري مستدام، أصبحت مستعدّة للانتقال إلى المرحلة التالية. المؤشّر المعتمد لديهم هو: "يُعتبر منظّم الفعالية محتفظاً به، إذا نظّم فعاليّتين على المنصّة، وبلغت نسبة الحضور في كلّ منهما 60٪ على الأقل". وكل من بلغ هذا المؤشّر، واصل استخدام Tick'it في تنظيم الفعاليات التالية.

مع وضوح النموذج وتحقّق النتائج، بدأت Tick'it بجمع أول جولة تمويل. وقد أكّد سيدريك أنّ جزءاً من جولة التمويل الأوّلي (Seed Round) قد أُنجز، دون الإفصاح عن التفاصيل حتى الآن، ما يمثّل محطة مفصلية في مسار الشركة.


مستقبل واعد


وعند استعراضه لما وصلت إليه Tick'it، لم يُخفِ سيدريك فخره بما حقّقه الفريق. من لحظات الشكّ إلى أبرز المنصّات الإعلامية، فقد ظهرت الشركة على برنامج Shark Tank Dubai، واستُعرضت على منصّة تابعة لكلية هارفارد للأعمال، وحصل سيدريك على مكان ضمن قائمة Forbes 30 Under 30.

اليوم، ومع جولة التمويل الأولى والمستثمرين الاستراتيجيين، يرى سيدريك أن القادم سيكون أعظم. فقد نمت المعاملات على Tick'it بقيمة 3.5 ملايين دولار في أقل من عام، لكن وفقاً له، "الأفضل لم يأتِ بعد".


اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!

كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.